Encyclopedia of Muhammad

عنترة بن شداد العبسي

Published on: 06-May-2025

عنترة بن شداد بن عمرو بن معاوية بن قراد العبسي، كان من أهل نجد، وينتهي نسبه إلى مضر. 1 كان من فرسان العرب وأغربتهم وأجوادهم. 2 ومن شعرائهم وأبطالهم، وكان من أصحاب المعلقات. 3

مولده وأسرته

لم يعرف تاريخ ولادته بالتحديد إلا أنه قد شارك في حرب داحس والغبراء، ومن السائد لدى المؤرخين أن حرب داحس والغبراء قد انتهت قبل الإسلام بقليل أي: قرابة سنة ستمائة (600) للميلاد، وكانت هذه الحرب قد استغرقت أربعين سنة، لذلك نستطيع أن نجعل ولادة عنترة بحدود سنة خمسمائة وثلاثين (530) من الميلاد؛ لأنه شهد بدء هذه الحرب، واشترك فيها حتى نهايتها وقد اعتمدنا هذه الفرضية؛ لأنها تنسجم مع نصوص عديدة وردت عن اجتماع عنترة بعمرو بن معد يكرب، ومعاصرته لعروة بن الورد وغيره من شعراء تلك الفترة. 4 ويمكننا أن نجعل ولادته في منتصف القرن السادس الميلادي، وليس ذلك تحديدا تاما.

اسمه ونسبه

هو عنترة بن شداد بن عمرو بن معاوية بن قراد العبسي، من أهل نجد، وينتهي نسبه إلى مضر. 5 وقيل: هو عنترة بن شداد بن معاوية بن رباح. وقيل: بن عوف بن مخزوم بن ربيعة بن مالك ابن قطيعة بن عبس. 6 وقيل: هو عنترة بن عمرو بن شدّاد بن عمرو بن قراد بن مخزوم بن عوف ابن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض. قال ابن الكلبي: شدّاد جدّه أبو أبيه، غلب على اسم أبيه فنسب إليه، وإنّما هو عنترة بن عمرو بن شدّاد. وقال غيره: شدّاد عمّه، وكان عنترة نشأ في حجره، فنسب إليه دون أبيه. 7 ويقال: إن أباه ادعاه بعد الكبر؛ وذلك أنه كان لأمة سوداء يقال لها زبيبة، وكانت العرب في الجاهلية إذا كان لأحدهم ولد من أمة استعبده. 8

كان عنترة من الذين ولدوا من أرحام الإماء، فاستبعده أهله وفق عادة العرب ولو كان من أصلابهم. ولذلك وقع الخلاف في تعيين اسم أبيه، مع ذلك اتفق أكثر المؤرخين على أن شداد كان عمه، ونسب إليه؛ إما لأن أباه لم يقبله؛ أو توفي وكان صغيرًا وتكفله عمه.

لقبه وكنيته

كنيته ابن عمرو، كني بابن لا بأبيه؛ لأنه كان ابنا لأمة، وكان من عادة العرب فى الجاهلية في أبناء الإماء أن يجعلوهم أرقاء ولا يلحقوهم بأنسابهم إلا إذا أظهروا نجابةً وشجاعةً، وهذا عنترة لم يقبله شداد ابنا له إلا بعد ما أبداه من بسالة فى حروب داحس والغبراء وغيرها. 9

لقبه الفلحاء، يقال: عنترة الفلحاء. 10 وفلحاء بمعنى المشقوق الشفة السفلى خلقةً. وفي المعجم الوسيط: فلح فلحاً انشقت شفته. ويقال: فلحت شفته فهو أفلح وهي فلحاء، جمعه فلح. وقد يقال: رجل فلحاء. قال: وعنترة الفلحاء جاء ملاما. 11 وإنما لقب بذلك؛ لأنه كان يشابه الأفلح لونًا وصورةً. ذكر المؤرخون: أما أمه فكانت حبشيةً يقال لها زبيبة، وقد ورث عنها سواده، ولذلك كان يعد من أغربة العرب، كما ورث عنها تشقق شفتيه، ولذلك كان يقال له عنترة الفلحاء. 12 فكان عنترة من أشهر فرسان العرب وأشدهم بأسًا، وكان يقال له عنترة الفوارس. 13 وإنما لقب بذلك؛ لما كان يظهر من البسالة والشجاعة والفروسية في معارك حاسمة.

أبواه

كان هناك نوعان من النساء في الجاهلية: إماء وحرائر، وكانت الإماء كثيرات، وكان منهن عاهرات يتخذن الأخدان، وقينات يضربن على المزهر وغيره في حوانيت الخمارين، كما كان منهن جوار يخدمن الشريفات، وقد يرعين الإبل والأغنام، وكن في منزلة دانية، وكان العرب إذا استولدوهن لم ينسبوا إلى أنفسهم أولادهن إلا إذا أظهروا بطولةً تشرفهم. 14

وكانت أم عنترة أمة حبشية يقال لها: زبيبة. وكان لها أولاد عبيد من غير شداد، وكانوا أخوة عنترة لأمه. وكان أبوه قد نفاه، ثم ادعاه بعد الكبر، واعترف به وألحقه بنسبه. 15 ولم يلحقه بنسبه إلا بعد أن أظهر شجاعة فائقة ردّت إليه اعتباره. 16 وكان من حديثه أن أمّه كانت أمة حبشية تدعى زبيبة، فوقع عليها أبوه فأتت به. فقال لأولاده: إن هذا الغلام ولدي. قالوا: كذبت، أنت شيخ قد خرفت، تدعي أولاد الناس. 17 ولذلك اختلف في نسبه إلى أبيه، وعاش حياة صعبة من ولادته حتى أن أظهر بسالة في الحروب فنسبه إلى نفسه.

لمحات حياته

كانت عند أبيه آبال وخيول يرعاها دون أن يتدخل في أمور قبلية ولا عائلية. وكان من عادات العرب ألا تلحق ابن الأمة بنسبها، بل تجعله في عداد العبيد، ولذلك كان عنترة منبوذاً بين عبدانه، يرعى له إبله وخيله، فربأ بنفسه عن خصال العبيد، وكان يكره من أبيه استعباده له وعدم إلحاقه به. 18 ثم وقع حادث، وهو أن بعض أحياء العرب أغاروا على بني عبس فلحقوهم وقاتلوهم، وفيهم عنترة. فقال له أبوه: كرّ يا عنترة. فقال له: العبد لا يحسن الكرّ، وإنما يحسن الحلاب والصرّ. فقال: كرّ وأنت حر. فكرّ وقاتل يومئذ فأبلى واستنفذ ما في أيدي القوم من الغنيمة، فادعاه أبوه بعد ذلك. 19

أراد عنترة أن الكرّ والهجوم من شيم الأحرار لا من شيم العبيد، وأنا عبد لا يليق بي الكرّ، وهذا في الحقيقة تعريض وإشارة إلى أنه لا يزال يرعي الإبل والخيل، ففهم أبوه ما يريده، فأعتقه، وفرح بذلك وأغار على العدو فاستعاد كل الغنائم والأسارى. وفي رواية: إن إخوته قالوا له: اذهب فارع الإبل والغنم واحلب وصر، فانطلق يرعى وباع منها ذودًا، واشترى بثمنه سيفًا ورمحًا وترسًا ودرعًا ومغفرًا، ودفنها في الرمل وكان له مهر يسقيه ألبان الإبل، وإن في الجاهلية من غلب سبا، وإنه جاء ذات يوم إلى الماء فلم يجد أحدًا من الحي، فبهت وتحير حتى هتف به هاتف: أدرك الحي في موضع كذا، فعمد إلى سلاحه فأخرجه، وإلى مهره فأسرج، واتبع القوم الذين سبوا أهله، فكرّ عليهم ففرق جمعهم وقتل منهم ثمانية نفر. فقالوا: ما تريد؟ فقال: أريد العجوز السوداء والشيخ الذي معها، يعني أمه وأباه، فردوهما عليه. فقال له عمه: يا بني، كرّ، فقال: العبد لا يكرّ؛ ولكن يحلب ويصرّ، فأعاد عليه القول ثلاثًا وهو يجيبه كذلك. قال له: إنك ابن أخي وقد زوجتك ابنتي عبلة، فكر عليهم فأنقذه وابنته منهم ثم قال: إنه لقبيح أن أرجع عنكم وجيراني في أيديكم: فأبوا، فكرّ عليهم حتى صرع منهم أربعين رجلًا قتلى وجرحى، فردوا عليه جيرانه. 20 وفرح أبوه ببسالته فأعتقه وأعطاه خاتم السيادة، قال عنترة:

لما رأيت القوم أقبل جمعهم
يتذامرون كررت غير مذمّم
يدعون عنتر والرّماح كأنّها
أشطان بئر في لبان الأدهم
ولقد شفا نفسي وأبرأ سقمها
قيل الفوارس: ويك عنتر أقدم 21

أشار في هذه الأبيات إلى ذلك المشهد وما فيه من الأسرى وقدومه وهجومه على العدو، وتشتيت جمعه وتفريق شمله، وتحرير أهله.

البطل المغوار

بعد هذه الوقعة استلحقه أبوه، ومن ذلك الوقت ظهر اسمه بين فرسان العرب وساداتها. 22 وطارت سمعته في الأقطار والأمصار، وعد من الفرسان والأبطال، كما كان عداده في فرسان وأبطال داحس والغبراء، ذكروا: أن شهرة عبس في الشجاعة خاصةً من دون القبائل الأخرى إنما وردت إليها من هذا القصص المروي عن عنترة بن شداد. 23 وكان عمرو بن معد يكرب الزبيدي رضي اللّٰه عنه يقول: كنت أجوب الجزيرة العربية لا أخاف إلا من أبيضين وأسودين، أما الأبيضان فربيعة بن زيد المكدم وعامر بن الطفيل، وأما أسوداها فعنترة والسليك بن السلكة. 24 فكان عداده في الشجعان والفرسان في زمانه.

بطل داحس والغبراء

كان عنترة من شجعان حرب داحس والغبراء وأبطالها التي وقعت في منتصف القرن السادس الميلادي بين سيدي عبس وذبيان قيس وحذيفة من قبائل مضر. وتفصيلها أن داحس فرس قيس بن زهير بن جذيمة العبسي، والغبراء فرس حذيفة ابن بدر الفزاري، وكان من حديثهما أن رجلًا من بني عبس يقال له قرواش ابن هني، بارى حمل بن بدر أخا حذيفة في داحس والغبراء. فقال حمل: الغبراء أجود. وقال قرواش: داحس أجود. فتراهنا عليهما عشرًا في عشر، فأتى قرواش إلى قيس بن زهير فأخبره، فقال له قيس: راهن من أحببت وجنبني بني بدر، فإنهم يظلمون لقدرتهم على الناس في أنفسهم، وأنا نكد أباء. قال قرواش: فإني قد أوجبت الرهان. فقال قيس: ويلك ما أردت إلى شآم أهل بيت؟ واللّٰه لتنغلن علينا شرًا.

ثم إن قيسًا أتى حمل بن بدر. فقال: إني أتيتك لأواضعك الرهان عن صاحبي. قال حمل: لا أواضعك أو تجيء بالعشر، فإن أخذتها أخذت سبقي، وإن تركتها تركت حقًا قد عرفته لي وعرفته لنفسي، فأحفظ قيسا. فقال: هي عشرون. قال حمل: هي ثلاثون. فتلاحيا وتزايدا حتى بلغ به قيس مئة، وضع السبق على غلاق أو ابن غلاق أحد بني ثعلبة بن سعد.

ثم قال قيس: فأخيرك من ثلاث، فإن بدأت فاخترت فلي منهن خصلتان، وإن بدأت فاخترت فلك منهن خصلتان. قال حمل: فابدأ. قال قيس: فإن الغاية مئة غلوة، وإليك المضمار ومنتهى الميطان، أي: حيث توطن الخيل للسبق. قال: فخرًا لهم رجل من محارب. فقال: وقع البأس بين ابني بغيض، فضمروهما أربعين يومًا، ثم استقبل الذي ذرع الغاية بينهما من ذات الإصاد، وهي ردهة وسط هضب القليب، فانتهى الذرع إلى مكان ليس له اسم، فقادوا الفرسين إلى الغابة وقد عطشوهما وجعلوا السابق الذي يرد ذات الإصاد وهي ملأى من الماء، ولم يكن ثم قصبة ولا شيء غير هذا.

وضع حمل حيسا في دلاء، وجعله في شعب من شعاب هضب القليب على طريق الفرسين، وكمن معه فتيانا، فيهم رجل يقال له زهير بن عبد عمرو، وأمرهم إن جاء داحس سابقا أن يردوا وجهه عن الغاية، وأرسلوهما من منتهى الذرع، فلما طلعا قال حمل: سبقتك يا قيس. قال قيس: بعد اطلاع إيناسٌ، أي: بعد أن تطلع على الخبر تعرفه، فذهبت مثلا، ثم أجدا. فقال حمل: سبقتك يا قيس، قال قيس: رويدا يعدوان الجدد، أي يتعدينه إلى الوعث والخبار، فذهبت مثلا. فلما دنوا وقد برز داحس قال قيس: جرى المذكيات غلاء، أي كما يتغالى بالنبل، فذهبت مثلا. فلما دنا من الفتية وثب زهير بن عبد عمرو فلطم وجه داحس فرده عن الغاية. 25 ففي ذلك يقول قيس بن زهير:

هم فخروا علي بغير فخر
وردوا دون غايته جوادي26

وفي هذه الحرب قتل ‌عنترة ضمضمًا ونفرًا ممن لا يعرف اسمهم. 27 يقول المؤرخون: إذا قرأت قصة داحس والغبراء، قرأت قصص شجاعة بطل مغوار أظهر شجاعة فائقة في هذه الحرب، وكان له فيها شعر، هو عنترة بن شداد العبسي، وقصص شجاعة عنترة معروفة حتى اليوم، مشهورة يسمعها الناس بشوق ورغبة. 28 ويقولون: ولا نغلو إذا قلنا: إن أهم فارس احتفظت به ذاكرة العرب في أجيالهم التالية إلى يومنا الحاضر هو عنترة بن شداد العبسي حتى غدا في قومه خيرًا ممن عمه وخاله من سادتهم. 29 قاتل في حرب داحس والغبراء بالسيف والشعر، باليد واللسان، قتل كثيرا من الأعداء وأنشد أشعارًا حماسيةً فيها، فأصبح أشهر الناس في العرب حتى من أعمامه وأخواله، وعرف كبطل مغوار إلى يومنا هذا.

زواجه

كان عنترة أقبح الوجه، وأسود اللون، وأطول الشفة، بالإضافة إلى ذلك كان ابنا لأمة، فما كان يرضى أحد أن يزوجه بابنته، أما عنترة فكان عاشقا لابنة عمه عبلة، ويحبها حبًا شديدًا، وقد طلبها من عمه مالك فأباها عليه؛ لسواده، ولأنه ابن أمة، وقد ظل يتغنى بها طوال حياته تغني المحب المحروم، وهو تغن نستشف فيه غير قليل من الإحساس بالحزن واليأس. 30 وبعد أن أظهر شجاعته وبسالته وأنقذ أبويه وعائلته من الأعداء، فتحولت حياته من الحزن إلى الفرح، فأعتقه أبوه وزوجه عمه بعبلة، يقول الزوزني: كان عنترة شاعرًا مجيدًا فصيح الألفاظ، بين المعاني نبيلها، كان كأنما الحماسة أنزلت عليه آياتها، وكان رقيق الشعر لا يؤخذ مأخذ الجاهلية في ضخامة الألفاظ وخشونة المعاني، وكان يهوى ابنة عمه عبلة بنت مالك بن قراد، فهاجت شاعريته لذلك، وكان كثيرًا ما يذكرها في شعره، وكان أبوها يمنعه من زواجه بها، فهام بها حتى اشتد وجده. وقيل: إنه قد تزوجها بعد جهد وعناء. 31 ويقول: الحديث عن زواج عنترة نراه مقترنًا بخبر انتزاعه لحريته، حيث نجد عند أبي هلال العسكري خبرًا مفاده أن أباه استلحقه يومئذ وزوجه عمه عبلة ابنته، كما نجد أن السيوطي أورد خبرًا ينقل قول عم عنترة له: إنك ابن أخي وقد زوجتك ابنتي عبلة، كما نجد نصًا ثالثًا نقله الميداني في المناسبة ذاتها على لسان والد عنترة حين قال له: كرّ وقد زوجتك عبلة، فكرّ وأبلى ووفى له أبوه بذلك، فزوجه عبلة، وهذه النصوص تبدو صريحةً في إثبات خبر الزواج. 32

مكانته في الشعر

يكفيه شرفًا وفضلًا في الشعر الجاهلي والأدب العربي أن عده العرب من أكبر شعرائهم وأجل فصحائهم، واتفقوا على إدماج قصيدته في القصائد المعلقة السبعة، ثم هذه المعلقات القصائد السبعة تفوق بعضها بعضًا، وتنقسم إلى درجات، والشعراء الجاهليون أيضا ينقسمون باعتبار شهرتهم في الشعر للإجادة أو للكثرة إلى طبقات كثيرة نذكر منها ثلاثًا: الطبقة الأولى: امرؤ القيس وزهير والنابغة. الطبقة الثانية: الأعشى ولبيد وطرفة. الطبقة الثالثة: عنترة وعروة بن الورد والنمر بن تولب ودريد بن الصمة والمرقش الأكبر. 33 فكان عنترة من أشعر شعراء العرب، وكان في قمة عالية من الشعر والأدب.

فصاحته وبلاغته

وصف الفروسية والبطولة والمعارك الحاسمة من أبرز المفاهيم والمعاني التي تطرق إليها الشاعر في أبياته وقصائده، وحاول أن يصور لنا في قصائده صورة كاملة للفارس الشجاع الذي يخوض في ساحات القتال وميدان الأبطال، ومن خلال صورة المقاتل الشجاع يستطيع عنترة أن يؤكّد فكرة حريته وجدارته بهذه الحرية، وبالتالي جدارته بحب ابنة عمه عبلة، ويحاول أن يربط بين فكرة البطولة وفكرة الحب. 34 وقال الرسول صلى اللّٰه عليه وسلم: (( ما وصف لي أعرابي قط فأحببت أن أراه إلا عنترة )). 35

قيل: إنه لم يقل شعرًا إلا قصيدته المعلقة وأبياتًا عديدةً. وذكر أنه كان من أشد أهل زمانه وأجودهم بما ملكت يده، وكان لا يقول من الشعر إلا البيتين والثلاثة، حتى سابّه رجل من عبس، وله كأكثر الشعراء أبيات شعر، استحسنها علماء الشعر، وقالوا: إنه أجاد فيها وأحسن، وما سبق إليه ولم ينازع فيه في بعض ذلك الشعر. 36 وله في الأشعار أسلوب بديع وفكر مبتكر لم يسبق إليه أحد حتى لا يساويه أحد في حسن صياغتها وجودتها، والبطولة الحربية ووصف المعارك هي أبرز الموضوعات التي تطرق إليها الشاعر في قصائده المختلفة. 37

قصيدته المعلقة

كانت منظوماته وقصائده قليلة وموجزة محتوية على عدة أبيات، وكان لا يقول من الشعر إلا البيتين والثلاثة حتى سابه رجل من عبس، فذكر سواد أمه وإخوته وعيّره بذلك وبأنه لا يقول الشعر، فاغتاظ منه ورد عليه، وهاجت قريحته فنظمت له قصيدة. 38 وقيل: لم يشتهر عنترة أول أمره بشعر غير البيتين والثلاثة، وإنما غلبت عليه الفروسية مكتفياً بها، حتى عيره يوماً بعض قومه بسواده وأنه لا يقول الشعر، فاحتج لسواده بخلقه وشجاعته، واحتج لفصاحته بنظم معلقته أولها:

هل غادر الشعراء من متردم
أم هل عرفت الدار بعد توهم

وقد ضمنها خصاله ومكارم قومه وحسن دفاعه عنهم ووفرة جوده، معرجاً فيها على أوصاف أمور شتى. 39 يقول ابن قتيبة: إن قصيدته هذه، أي: هل غادر الشعراء، تسميها العرب المذهبة. 40 وإنما سميت بالقصيدة المذهبة؛ لما فيها من المزايا الشعرية والبلاغية، والأشعار الرائعة الدالة على فضل قومه وشرفهم وحسبهم ونسبهم.

وفاته

اختلف الرواة في نهاية حياة عنترة كما في سائر أخباره، فتعددت الروايات، ومنها: أن عنترة خرج فهاجت رائحة من صيف نافخة، فأصابت الشيخ فوجدوه ميتًا بينهم، وكان عنترة قد كبر وعجز كما يبدو من الرواية، ومنها أيضًا: أنه أغار على بني نبهان من طيئ فأطرد لهم طريدةً، وهو شيخ كبير، فجعل يرتجز وهو يطردها. قال: وكان وزر بن جابر النبهاني في فتوة فرماه. وقال: خذها وأنا ابن سلمى، فقطع مطاه، فتحامل بالرمية حتى أتى أهله وهو مجروح. ومن أخبار وفاته أنه غزا طيئًا مع قومه فانهزمت عبس، فخر عن فرسه ولم يقدر من الكبر أن يعود فيركب، فدخل دغلا وأبصره ربيئة طيئ، فنزل إليه وهاب أن يأخذه أسيرًا فرماه وقتله، ويزعمون أن الذي قتله يلقب بالأسد الرهيص وهو القائل:

أنا الأسد الرهيص قتلت عمرا
وعنترة الفوارس قد قتلت 41

قالوا: قد وقعت بين عبس وطيء جملة غزوات قضت إحداها على حياة عنترة بن شداد البطل الأسود الشهير، أغار عنترة مع قومه على بني نبهان من طيء وهو شيخ كبير، قد عبثت به يد الدهر، فجعل يرتجز وهو يطرد طريدة لطيء، فانهزمت عبس وأصيب عنترة بجرح قضى عليه. ur على كل حال لقد عمّر عمرًا طويلًا ومات قبيل البعثة.43

ملخص القول أن عنترة كان عبدا ولدته أمة، فواجه الذل والصغار منذ صغره حيث لم ينسبه أبوه إلى نفسه، كان عبدا يرعى الدواب والخيول، ثم تحولت حياته من العبودية إلى الحرية بإغارته على أعداء هجموا على أسرته وأسروهم، فأنقذهم منهم، فأعتقه أبوه وزوجه بعشيقته عبلة، فكان سيدا من أسياد العرب، وله شهرة بين الناس كبطل مغوار، وفارس كرار، يحترز عن مبارزته الشجعان والفرسان. ولما عير بلونه وأمه وشعره فقال قصيدة بليغة شهيرة محتوية على شرفه وفضله، وافتخر فيها بقومه وعشيرته، فتلقاها العرب بالقبول التام، وعلقت على الكعبة المشرفة، وما زالت تلعب دورا هاما في التراث الجاهلي والأدب العربي، وعمر عمرا طويلا، وتوفي قبل مبعث النبي صلى اللّٰه عليه وسلم.


  • 1  أبو عبد اللّٰه حسین بن أحمد الزوزوني، شرح المعلقات السبع، مطبوعة: دار إحياء التراث العربي، بیروت، لبنان، 2002م، ص: 237
  • 2  أحمد بن إبراهيم الهاشمي، جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب، ج-2، مطبوعة: مؤسسة المعارف، بيروت، لبنان، 1969م، ص: 52
  • 3  أبو عمرو إسحاق بن مرار الشيباني، شرح المعلقات التسع، مطبوعة: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان، 2001م، ص: 214
  • 4  أبو عبد اللّٰه حسین بن أحمد الزوزوني، شرح المعلقات السبع، مطبوعة: دار إحیاء التراث العربي، بیروت، لبنان، 2002م، ص: 239
  • 5  أيضًا، ص: 237
  • 6  أبو عمرو الشيباني، شرح المعلقات التسع، مطبوعة: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان، 2001م، ص: 216
  • 7  أبو محمد عبد اللّٰه بن مسلم ابن قتیبة الدینوري، الشعر والشعراء، ج-1، مطبوعة: دار الحدیث، القاهرة، مصر، 1423ه، ص: 243
  • 8  عبد القادر بن عمر البغدادي، خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، ج-1، مطبوعة: مکتبة الخانجي، القاهرة، مصر، 1997م، ص: 128
  • 9  الدكتور أحمد شوقي عبد السلام ضيف، تاریخ الأدب العربي، ج-1، مطبوعة: دار المعارف، القاهرة، مصر، 1995م، ص: 369
  • 10  أبو عبد اللّٰه حسین بن أحمد الزوزوني، شرح المعلقات السبع، مطبوعة: دار إحیاء التراث العربي، بیروت، لبنان، 2002م، ص: 237
  • 11  مجموعة من المؤلفين، المعجم الوسيط، ج-2، مطبوعة: دار الدعوة، إستانبول، تركيا، د. ت. ط، ص: 699-700
  • 12  الدكتور أحمد شوقي عبد السلام ضیف، تاریخ الأدب العربي، ج-1، مطبوعة: دار المعارف، القاهرة، مصر، 1995م، ص: 369
  • 13  یحیی بن أبي بکر العامري، بهجة المحافل وبغیة الأماثل في تلخیص المعجزات والسیر والشمائل، ج-2، مطبوعة: دار صادر، بیروت، لبنان، 1219م، ص: 201
  • 14  الدكتور أحمد شوقي عبد السلام ضیف، تاریخ الأدب العربي، ج-1، مطبوعة: دار المعارف، القاهرة، مصر، 1995م، ص: 72
  • 15  أبو عبد اللّٰه حسین بن أحمد الزوزوني، شرح المعلقات السبع، مطبوعة: دار إحیاء التراث العربي، بیروت، لبنان، 2002م، ص: 237
  • 16  الدكتور أحمد شوقي عبد السلام ضیف، تاریخ الأدب العربي، ج-1، مطبوعة: دار المعارف، القاهرة، مصر، 1995م، ص: 72
  • 17  عبد الرحمن بن أبي بکر جلال الدین السیوطي، شرح شواهد المغني، ج-1، مطبوعة: لجنة التراث العربي، بیروت، لبنان، 1966م، ص: 481
  • 18  أحمد بن إبراهيم الهاشمي، جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب، ج-2، مطبوعة: مؤسسة المعارف، بيروت، لبنان، 1969م، ص: 52
  • 19  أبو عمرو إسحاق بن مرار الشيباني، شرح المعلقات التسع، مطبوعة: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان، 2001م، ص: 214
  • 20  الدكتور جواد علي، المفصل في تاریخ العرب قبل الإسلام، ج-18، مطبوعة: دار الساقي، بیروت، لبنان، 2001م، ص: 125
  • 21  عبد الرحمن بن أبي بکر جلال الدین السیوطي، شرح شواهد المغني، ج-1، مطبوعة: لجنة التراث العربي، بیروت، لبنان، 1966م، ص: 481
  • 22  أحمد بن إبراهيم الهاشمي، جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب، ج-2، مطبوعة: مؤسسة المعارف، بيروت، لبنان، 1969م، ص: 52
  • 23  الدكتور جواد علي، المفصل في تاریخ العرب قبل الإسلام، ج-8، مطبوعة: دار الساقي، بیروت، لبنان، 2001م، ص: 102
  • 24  أبو عمرو إسحاق بن مرار الشيباني، شرح المعلقات التسع، مطبوعة: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان، 2001م، ص: 214
  • 25  أبو طالب المفضل بن سلمة، الفاخر، مطبوعة: دار إحياء الكتب العربية، بیروت، لبنان، 1380هـ، ص: 219-220
  • 26  أبو عمر أحمد بن محمد ابن عبد ربه الأندلسي، العقد الفريد، ج-6، مطبوعة: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1404هـ، ص: 18
  • 27  أبو الفضل أحمد بن محمد النيسابوري، مجمع الأمثال، ج- 2، مطبوعة: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2004م، ص: 136
  • 28  الدكتور جواد علي، المفصل في تاریخ العرب قبل الإسلام، ج-10، مطبوعة: دار الساقي، بیروت، لبنان، 2001م، ص: 33-34
  • 29  الدكتور أحمد شوقي عبد السلام ضيف، تاریخ الأدب العربي، ج- 1، مطبوعة: دار المعارف، القاهرة، مصر، 1995م، ص: 369-370
  • 30  أيضًا، ج- 1، ص: 371
  • 31  أبو عبد اللّٰه حسین بن أحمد الزوزوني، شرح المعلقات السبع، مطبوعة: دار إحیاء التراث العربي، بیروت، لبنان، 2002م، ص: 238
  • 32  أبو عبد اللّٰه حسین بن أحمد الزوزوني، شرح المعلقات السبع، مطبوعة: دار إحیاء التراث العربي، بیروت، لبنان، 2002م، ص: 241
  • 33  أحمد بن إبراهيم الهاشمي، جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب، ج-2، مطبوعة: مؤسسة المعارف، بيروت، لبنان، 1969م، ص: 29
  • 34  أبو عبد اللّٰه حسین بن أحمد الزوزوني، شرح المعلقات السبع، مطبوعة: دار إحیاء التراث العربي، بیروت، لبنان، 2002م، ص: 242
  • 35  أبو الفرج علي بن الحسين الأصفهاني، كتاب الأغاني، ج-8، مطبوعة: دار صادر، بيروت، لبنان، 2008م، ص: 172
  • 36  الدكتور جواد علي، المفصل في تاریخ العرب قبل الإسلام، ج-18، مطبوعة: دار الساقي، بیروت، لبنان، 2001م، ص: 126
  • 37  أبو عبد اللّٰه حسین بن أحمد الزوزوني، شرح المعلقات السبع، مطبوعة: دار إحیاء التراث العربي، بیروت، لبنان، 2002م، ص: 242
  • 38  الدكتور جواد علي، المفصل في تاریخ العرب قبل الإسلام، ج-18، مطبوعة: دار الساقي، بیروت، لبنان، 2001م، ص: 126
  • 39  أحمد بن إبراهيم الهاشمي، جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب، ج-2، مطبوعة: مؤسسة المعارف، بيروت، لبنان، 1969م، ص: 52
  • 40  أبو عمرو إسحاق بن مرار الشيباني، شرح المعلقات التسع، مطبوعة: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان، 2001م، ص: 215
  • 41  أبو عبد اللّٰه حسین بن أحمد الزوزوني، شرح المعلقات السبع، مطبوعة: دار إحیاء التراث العربي، بیروت، لبنان، 2002م، ص: 241-242
  • ur الدكتور جواد علي، المفصل في تاریخ العرب قبل الإسلام، ج-8، مطبوعة: دار الساقي، بیروت، لبنان، 2001م، ص: 44
  • 43  أحمد بن إبراهيم الهاشمي، جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب، ج-2، مطبوعة: مؤسسة المعارف، بيروت، لبنان، 1969م، ص: 52

Powered by Netsol Online